الأربعاء، 29 يوليو 2015

نحن لا نعيش في فيلم آنيمي، للأسف.


2015


المعرفة تولِّد الإيمان، والإيمان يُغذِّي المعرفة. والجهل نقمة، وفضيلة.

لا أستطيع أن أجزم بوجود أو عدم وجود العوالم الموازية. أنا فقط لا أعرف. لا أعرف مدى إمكانية وجودها من عدمه، ولكن إن كانت هناك بالفعل عوالم موازية، فإنني سأحب أن أشهد بعض التقاطعات بين عالمنا والعوالم الأخرى (لن تصبح موازية إن تقاطعت، زائد إن هيطلع عين أبونا عشان نحاول نصلِّح ما نَتُج من عبث في التاريخ والمنطق وحياة البشر نتيجة ذلك التقاطع، بس مش مشكلة).

في عالمٍ موازٍ لنا، كُنتُ سأولد في القرية، أحرث وأرعى، وأساعد أمي والرب في تربية ديدان القز وخلق الحرير الأبيض، كنت مع التدريب الكافي سأكتسب القدرة على اجتناح الرياح تحت ذراعيّ مما سيمكنني من الطيران مع المحاولة المائة والسبعة والعشرين. كنت سأكتب الشعر وأرمي قصائدي التي لم أرضَ عنها في النهر، وأعيد الكتابة أكثر من مرة حتى أصل إلى قصائد أحبها وتُحبني. كنت سأحتفظ بقصائدي تحت المخدة ليلًا وأقرأها على أصدقائي صباحًا. كنت سأستغل موقع منزلنا القابع أمام الوادي المُشجر في اصطياد وتربية اليرقات المضيئة. كنت سأحتفظ بتلك اليرقات في برطمانات زجاجية وأهديها لأفراد أختارهم عشوائيًا من سُكان المدينة التي تقع عند سفح الجبل.

في ذلك العالم الموازي، كنت سأقترب منهن، من كافة الفتيات الجميلات، وأخبرهن عن مدى جمالهن وعن الماشية التي أستيقظ كل يوم في الصباح الباكر لرعايتها، وأُودع كلًا منهن بعصافير أوريجامي ملونة.

صَدَق أينشتين وتَبِعَهُ طلال فيصل حين أخبرانا بأن الخيال أقوى من المعرفة. ولذلك، في عالمنا هذا، غير الموازي إلا لنفسه، والذي تبدو فيه الكتابة عن العوالم الموازية خيالًا قميئًا، لا يمكنني أن أفعل شيئًا سوى أن أدعو لتمجيد الخيال، مهما بدا لنا رخيصًا أو مُدعيًا.

الجمعة، 19 يونيو 2015

بحثًا عن ملحمة |١| السماء والأرض





العالم كبير، جدًا.

ما يميّز الكائنات الحية، النباتات والحيوانات والحشرات والبشر والفطريات والكائنات الدقيقة كالبكتيريا والميكروبات والجراثيم، إلخ.. ، أننا –جميعًا-خُلقنا على قدرٍ كبير من الدقة والتعقيد الشديدين، وهو ما يجعلنا جميعًا –وبعيدًا عن أي محاولة للبحث عن مدى إعجاز الكون في صناعتنا- مخلوقاتٍ/كائناتٍ تستحق التبجيل المتبادل، الاحترام المتبادل، القليل-أو الكثير- من الحب.

وبالرغم من ذلك، نبدو نحن –البشر، الهوموسيپيانز- أكثر غرورًا ومركزية، وكأن كل الكائنات الحية الأخرى هي مجرد جزء من تجربتنا الكونية اللطيفة (التي نؤمن بأننا مَن نتحكَم بها تحكمًا كاملًا)، ويصبح الداعي منّا للتبجيل والتقدير المتبادل تافهًا بتفاهة إينفيرومنتاليست لا يُدرِك أن العالم كله قد خلق من أجل سيادته.


ما نحتاج أن نتذكره دائمًا، هو أنه هناك مُتسع للجميع. والحقيقة هي أن ملعبنا كبير، وحدودنا في أضيق حالاتها ستكون السماء. فاستمتعوا، والعبوا مع بعض.


الأحد، 7 يونيو 2015

فراغ بين قوسين.




سيجيء ذلك اليوم.. فبعد أن نكون قد خُضنا معارك صغيرة، غير ملحمية، وغير مُجدية، وبعد أن نكون قد اقتربنا ممن نُحب بالقدر الذي يكفينا (لم نكن أبدًا طمّاعين، لم نرغب في الإقتراب أكثر)، وبعد أن تكون قد تحركت مشاعرنا الباردة بما يثبت لنا أننا لسنا بموتى-أحياء، وبعد أن تكون قد خلت ليالينا من الابتسامات غير المبررة التي كانت تباغتنا قبل النوم، وبعد أن نكون قد تخلصنا من عدد لا بأس به من مخاوفنا التافهة، وبعد أن نكون قد أعلنّا مُراهَقـَتِنا الجميلة، الساذجة، بأن نربط الثورة بالحب، والدَمَ بالشِعر، والعَدْل بالسماء، وبعد أن نكون قد تعرفنا إلى أرواحٍ جديدة، وبعد أن نكون قد عَرِفنا أوجه مختلفة للشغف، وأصبحنا نعرف –أخيرًا- أكثر من تعريفٍ للحُب والشجر والشمس، وبعد أن نكون قد أخبرنا من نود أن نخبرهم بالأشياء التي كنا نود فعلًا أن نخبرهم إياها، وبعد أن نكون قد وصلنا إلى بلدةٍ صغيرةٍ نحبها ولا يبادلنا سُكانها الحُب... سيكون علينا أن نتوقع مجيء ذلك اليوم...اليوم الذي تبهت فيه أصالة الأشياء، وتفقد فيه الرسائل التي جاءتنا بريقها، وتعود فيه الأرواح المحُلقة إلى أصحابها...اليوم الذي سيكون علينا أن ندخل فيه بأنفسنا، طواعيًة، إلى الفراغ... الفراغ الذي يلتهم كل شيء.... الفراغ الذي يبتلع نفسه، حتى يخلق لنا قصصًا جديدة لنعيشها.... الفراغ الذي يبدو –وبالرغم من كل الحزن والألم الذي أوصلنا إليه- باعثًا للحنين.. مُطهرًا... وجميلًا.
  
  ___
عنوان التدوينة مُستوحى من ألبوم "untitled" للفرقة الآيسلندية "سيجوروس":
https://www.youtube.com/watch?v=fQt-7iUhBwo

الاثنين، 25 مايو 2015

ألم خفيف كريشة طائر.




بيرسيبوليس، فيلم لـ مارجان ساترابي، 2007


قلبي يحب الفرحة (أي قلب لا يحبها؟)، ولكنه لا يحتمل الفرحة الكاملة، اللحظات الخفيفة التي تخرج منها برضا لا يشوبه نغص في القلب. قلبي لا يحتمل السعادة الكاملة، ليس نكدًا ولكنه إدراك خفي بوجود أراضٍ مظلمة في القلب تمنع اكتمال تَقبُلي للفرحة، فرحتي أو فرحة غيري. في وسط البلد، فتاة عشرينية تسير مع صديقاتها، فجأة تدور حول نفسها دورة واحدة وكأنها بداية لرقصة لن تكتمل، وتُكمِل سيرها. ده شيء جميل كان في طريقه لأن يكون شيئًا أكثر جمالًا، وهذا في حد ذاته هارتميلتينج وكل حاجة، ومع ذلك، أتحسس قلبي وأشعر بألم بسيط أخف من أن يظل مُختزنًا لآخر اليوم وأكبر من أن أنساه عند العودة للمنزل.

يومًا ما وبدون تخطيط مسبق سأرقص. سأتخلى عن خجلي من أن أبدو تافهًا وسأخلع عباءة الجدية، سأتخلى عن لحظات سرقتها مُسبقًا من أجل صِدق هذه اللحظة، ولن أفكر في تخليدها من الأساس، سأتركها تُحركني على مزاجها. سأرقص رقصة لن أقدر على وصفها فيما بعد بالرقصة السعيدة لإنها لا تتمحور حول الفرح، ولا بالرقصة الصاخبة لأن الموسيقى لن تُصاحبها، سأخلق الموسيقى من الطبيعة حولي، ليس بالضرورة أشجارٍ وجذور وبحارٍ وعصافير مغردة، دَوَران محرك السيارة سيكون كافيًا. ولن أصنفها تحت تصنيف جغرافي كرقصة شرقية أو غربية، ولن تكون رقصة معروفة كالتانجو أو السالسا، ولن تقع تحت تصنيفات مثل البريك أو الإليكترونيك دانسينج. يومًا ما سأرقص بشكل حر، أكثر حرية من الرقص الحر ذات نفسه، وأكثر توسعًا من مصطلحات مثل الرقص المعاصر أو الرقص ما بعد الحداثي. مُجرد تحريك للأطراف بدون تفكير في الخطوات التالية.

 ارتجال وتحرر تامّين. كريحٍ تحرك الريشة في المشهد الأول لفيلم فوريست جامب.

قد تكون رقصة سخيفة، أو سيئة، أو مثيرة للشفقة، لن أخجل من جسدي أو من كلام الآخرين، وسأتقبل المشككين بزيف الرقصة وافتعالها بسعة صدر وابتسامة. ومهما تملّك الرقصة من خجل أو اضطراب، ومهما صاحب الرقصة من تريقة من الأصدقاء أو غيرهم إلّا أنني لن أهتم، حقًا. يومًا ما سأرقص رقصة واحدة، الأولى والأخيرة، رقصة لا تُوصَف إلا بفعل الرقص.


وقتها ستنظر لي أحداهن من بعيد، بملامح باردة، ليست كراهيةَ ولا حِقدًا ولا نكدًا، ولكن ربما لأن قلبها يحب الفرحة، ولكنه لا يحتملها كاملة، وقتها لن أهتم بأن أشرح لها ما أود تحقيقه فعلًا من هذه الرقصة، لأن القرار وقتها لن يكون لي. وقتها، سأُكمل فقط رقصتي لنهايتها، وأدعها لتتحسس موضع الألم الخفيف في قلبها.


-----
عنوان التدوينة هو حُبًا وعرفانًا وتريبيوت لرواية الكاتب علاء خالد التي تقع تحت عنوان "ألم خفيف كريشة طائر تنتقل بهدوء من مكان لآخر".

الجمعة، 15 مايو 2015

قررت أن تختبيء، ولكننا لا نبحث عنك



توقف عن الإدعّاء، حتى تتجنب الفضيحة.

أرجوك، لا تفتعل الحزن، لأنني نصحتك أكثر من مرة ولا فائدة، أخبرتك من قبل، قلت لك: "لا تذهب إلى الحفلة وحيدًا".

لا تجمع أشلاء نفسك، اتركها في غرفتك ومكان عملك، الحمل ثقيل، أنت تحتاج إلى شخصٍ آخر ليساعدك، وإلّا فلا تذهب.

أخبرتك... لا تذهب إلى الحفلة بدون صديق تشكي له تقّصُف شعر الفتاة الواقفة أمامك، لا تذهب إليها بدون مرافق يزعجك في اختيار المشروب المناسب في الاستراحة ويحرجك حينما يعتلي الكراسي ويُصفّر بفمه بصوتٍ عال.

أشفق عليك، وأعرف مدى تورطك في نفسك، توقف عن حُب الأشياء الصغيرة، واترك للآخرين قدرًا من الإضاءة الخافتة وألحان الجيتار لتنساب بينهم، لا تكن بهذا القدر من الأنانية، ولا تتوقع أن سعاد جاءت لتغني من أجلك فقط.

مسكين، حاول أن تُخفي مشاعرك المرهفة إلى حفلة أخرى أكثر صخبًا وأقل تأثيرًا، تحكّم في نفسك ولا تجعل عدة أغانٍ سببا لتوليد هذا القدر من المشاعر. صدِّقني لن يستوعب الناس دموعك في حفلة كهذه.

توقف عن التفكير في مظهرك، وأدع ربّك أن يُوقف قطرات العرق من الخروج. مسامك واسعة، وجلدك دهني، ودموعك مالحة وتستدعي معها القليل من مخاط أنفك، وهي أخطاء ليس لك دخل فيها، ولا للرب.

بقاءك داخل نفسك أمرٌ مؤلم، واستخدامك لصيغة المخاطب هي محاولة فاشلة ومثيرة للشفقة لتبعد أنظار الآخرين عنك.

أخبرتك من قبل: كُف عن توريط نفسك.