الثلاثاء، 12 يناير 2016

شكرًا لساعي البريد






الرجل الصيني أو الياباني (أو الـ شرق آسيوي وخلاص) الذي كان في حافلة النقل الجماعي التي مرّت أمام محطة الإسعاف في الخامسة عصرًا اليوم في وسط البلد كان ممسكًا بكاميرا ديچيتال صغيرة أتوقع أنها منذ بدايات القرن الحادي والعشرين، ربما ٢٠٠٤ مثلًا وقتَ أن أصبحت الكاميرات الديجيتال موضة و٤ ميجا بيكسل ساعتها كانت كافيةً لصُنع صور شخصية وعائلية عالية القيمة المعنوية ومنخفضة الكواليتي. الطريق كان واقف والزحمة كانت قاتلة كعادتها وركاب المترو وقتها كانوا أكثر حظًا من ركاب الأتوبيس، ولكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للرجل من شرق آسيا، الذي كان ينظر للشارع في سعادة وانبهار يليقان برجل عجوز يحمل كاميرته في يده وشنطته حول رقبته وثقافته في دماغه، حرّك الرجل رأسه لتلتقط عيناه جزءًا من دار القضاء العالي وأخرج كاميرته ليحاول التقاط الصورة. كنت مارًا أمام سلالم دار القضاء العالي، تحرك الباص حيث أصبحت نوافذه الجانبية أمامي بالضبط. وجّه الرجل كاميرته ناحية المبنى/ناحيتي، وبدلًا من أُسرِع الخُطى لأبدو في الصورة بشكلٍ ضبابيّ كمواطن يسير مُسرعًا مُتجِهًا نحو تحقيق أهدافه الحياتية آثرتُ التوقف والنظر -بابتسامة حاولت أن لا أجعلها بلهاء- إلى الكاميرا. وقبل أن أنطلق في طريقي كنّا قد تبادلنا نظرة وابتسامة ضمنية لم يتعدى عمرها الثانية الواحدة كإقرارٍ من كلانا على وجود الآخر في هذا العالم. 


أفكر في أنه عندما سيعود ذلك الرجل إلى بلده سيجلس مع زوجته وأحفاده ليعاود النظر في الصور التي التقطها، وعندما يصل إلى صورة دار القضاء العالي وبعد القليل من الزووم-إن سيجد ذلك المصريّ الذي توقّف له في منتصف الصورة وابتسم -فقط- بدون أن يهز يده كالأبله أو يسعى بالترحيب به في مصر مثلًا. سترى حفيدته الصغرى الصورة وستعقّب باللغة اليابانية/الصينية لتقول شيئًا ما عن ذلك الفتى، بدون أن تدري أنّه بدورهِ قد كتَب شيئًا ما عنها، وعن جَدِّها، ذلك الرجل القادم من دولةٍ لا يستطيع ذلك المصري تحديدها بالضبط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

إتكلّم!