|
لـ (هشام رحمة) |
عزيزي القارئ، بما أننا في الطريق إلى يوم 25 يناير القادم، أريد منك أن تجرّب الانحدار إلى أوطى مستوى تستطيع الوصول إليه.
انحدر، أنحدر إلى أسفل درجة من درجات الإنسانية والقومية (وانحدر بقدراتك العقلية أيضًا) وأحكم على نفسك من بعدها.
قل لنفسك أن هذه الثورة كانت يجب أن تتوقف منذ زمن طويل لأن كل ما كنّا نريده قد تحقق بالفعل، فالنظام قد سقط، ومبارك يحاكم حاليًا، والعادلي أيضًا، والحزب الوطني سقط برضه، حاجات كتير أهي سقطت.
أقنع نفسك بأن المجلس العسكري فعل ما في وسعه، وأوفى بوعده، أي نعم قال أن الفترة الإنتقالية ستة شهور وها قد اقتربنا من ضِعف الفترة، ولكن مش مهم، يكفيه ما فعله لأجل الوطن.
أقنع نفسك بأن ميدان التحرير يجب أن (يفضى) تمامًا، فما جدوى المظاهرات إذا كانت الحكومة تسعى جاهدةً وتضع خُططًا لكي تنفذها في القريب العاجل، أي نعم لم نجد أية نتيجة لتلك الخطط والأفكار، لم نجد شيئًا أصلًا، ولكنّك تعلم بالتأكيد عزيزي القارئ إن الصبر جميل.
أقنع نفسك بأن اللي نزلوا التحرير وأُصابوا أو استشهدوا يستاهلوا، قل لنفسك "يشربوا بأه، بيوقفوّا عجلة الإنتاج ليه ؟"، أي نعم أنت تعلم جيدًا أنه لا وجود للإنتاج أصلًا حتى تُوجد عجلةٌ له ولكن ما علينا، المهم إن تقنع نفسك أن بتوع التحرير غلطانين.
أقنع نفسك بأن الفتاة التي سُحلت تستاهل أيضًا كل ما حدث لها، "إيه اللي نزلّها التحرير؟"، أَعلمُ أنّك ربما قد تشعر بالأسى قليلًا عليها ولكن إصرف هذا الشعور جانبًا، فهي تستاهل طبعًا.
أقنع نفسك بأن الشرطة والجيش إيد واحدة، وأنهم لم –ولن- يضربوا أيًا من المتظاهرين، فعقيدتهم تملي عليهم ذلك، أي نعم هناك مئات الفيديوهات التي تثبت عكس ذلك ولكن مش مهم، أقنع نفسك أن تلك الفيديوهات مفبركة باحترافية تضاهي أفلام هوليود.
أقنع نفسك بأن العيسوي صادق، فالداخلية معندهاش قنّاصة، وأقنع نفسك أن الطنطاوي عندما قال "راعينا دقة النفس" كان صادقًا فعلًا، وكذلك اللواء عادل عمارة عندما أكّد أنهم لم يستخدموا العنف، نعم، هو صادق، وكذلك أيضًا يجب عليك أن تصدّق ما قاله الدكتور الجنزوري، فهو يؤكد أنهم "لم يستخدموا العنف ضد متظاهري مجلس الوزراء"، أي نعم كل هذا له أدلة مضادة واضحة وضوح الشمس ولكن عليك أن تتجاهل كل هذا وتتحجج بارتفاع مهارات الناس في استخدام برنامجي الفوتوشوب والأفتر إيفكّت.
قل لنفسك أن هذه مؤامرة، وأن أيادٍ خفية تلعب في البلد، وأن طرف تالت يتحكم في مقادير الأمور، أي نعم بقالنا شهور (بل وسنوات) ولم نستطع حتى الآن أن نمسك صُباعًا واحدًا من تلك الأصابع، ولكن مش مهم، قل لنفسك أن سبب المشاكل كلها الثوّار، تناسى أنهم هم من أشعلوا الثورة بينما كنت تتابع الأخبار وتكتفي بالتأفف.
تناسى أحمد حرارة، الشيخ عماد عفت، محمد محروس، أحمد بسيوني، علاء عبد الهادي، بل وخالد سعيد، وكل شهداء ومصابي مجلس الوزراء وماسبيرو وموقعة الجمل وشارع محمد محمود وميدان التحرير.... تناسى، وإنسَ.
وقم بإنهاء الموضوع بجملة تؤكد فيها أن الثوّار عملاء، وأن الشهداء كانوا طالبين شهرة، وأن الثورة كلها مجرد وسيلة لإسقاط وإحداث فوضى في البلاد.
الآن.......
حاسس بإيه ؟
أراهن أنك تشعر الآن بضياع تام، إنسانيتك تلاشت، أصبحت كائنًا ماديًا، لا تهتم بالآخرين، همّك هو نفسك، لا تقدر الإنسان، لا تؤمن بالحرية، تعشق العبودية، ساذج، يأكل الناس بعقلك حلاوة وبواسطة كلام معسول ولا أسهل، بل وبعض الغباء قد استشرى في عقلك أيضًا، فأنت تؤمن بأن كل حاجة فوتوشوب وأن قاتلك هو سيدك الأعظم، وأن هذا القاتل هو المظلوم، وأن المقتول هو الظالم.
حسنًا، يمكنك أن تحمد ربك الآن أن هذا الانحدار في شخصيتك كان في تلك اللحظة التي عشتها دلوقتي، فقط،.... أمّا إذا كنت مؤمنًا بأن كل ما كنت تُقنع نفسك بيه هو فعلًا حقيقة، وكنت ترى أن كل ما قلته لا يمت بصلة للـ"انحدار"، فأنا لا أملك سوى أن أقول لك "إنتا صعبان عليّا.. أعانك الله على ما بلاك به يا باشا !".